الأم الحقيقة الوحيدة التي مرت في حياتك

 


قصة يومنا هذا، قصة من نوع آخر، حكاية جد معبرة، مأثرة، و عاطفية لأبعد الحدود.
قصتنا هذه أو هذه الحكاية المؤلمة تعاني منها العديد من الأسر.
لكل أسرة أو عائلة حكايتها الخاصة، تختلف من شخص لآخر، قصص مؤلمة وأخرى مفرحة، خصوصا عندما يتعلق الأمر ب "الأم" عندها، ينتهي الكلام و ترفع الأقلام، و تنحدر الرؤوس، و تنهمر الدموع.
لماذا يا ترى؟
هذا سؤال مهم جدا، يبدو لدى أغلب الناس تافه، لكنه عند التحدث عنه لا مجال لانهاء الكلام، لأن كلمة الأم رغم قلة حروفها تبقى كلمة ذات معنى كبير جدا، و الأهم أنها كلمة عميقة الفهم و الشرح أيضا.
يقال أن الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الاعراف، ماذا؟ هل تنتظر مني أن أحصي لك كل ما تقوم به الأم، ما دور الأم، هذا صعب حقا، صعب الوصف. 

موضوع الأم من أهم مواضيع الحياة والمجتمع


موضوع الأم من أكثر المواضيع الذي يعجز اللسان عن التعبير فيه، و تعجز الأيادي عن الكتابة عنه، من أين سأبدأ، هل من لحظة فرحها عند سماع خبر حملها بك، أو من تقلبات مزاجها في أوقات وحمها بحيث يرفع القلم عن تلك الإنسانة أنذاك و يجبر تقبل طلباتها و السعي لإرضائها، أم من ذلك الثقل الذي تحمله معها طيلة تسع أشهر، أما وجع الولادة ذاك حدث و لا حرج.

أيعقل بحق الجحيم تحمل ذلك الألم، حقا لا أعلم من أين تأتي المرأة بذلك الصبر الطويل، و قد ثبت علميا أن ألم الولادة تعتبر من أخطر الآلم و تصنف في الرتبة الثانية بعد ألم الحرق حيا، و هذا أكبر دليل أن قوة المرأة لا تعادلها أي قوة في الكون.

ناهيك عما سيأتي ما بعد الولادة، تألم جسمها كي يشبع بطنك أنت، كي تكف عن البكاء، تضل مستيقظة  الليل كله لا تنام هي حتى تنام أنت، و لا تأكل حتى تأكل أنت، و يا سعادتها بك عند مواعدة نفسها و إياك أن تكون نعم الأم، نعم المرشدة، نعم الناصحة، ستكون عصاك التي ستتكئ عليه، ستفعل ما بوسعها لتلبية رغباتك، لن تعرف معنى النوم و الراحة عند مرضك، تضل فوق رأسك، حارسة لك خوفا أن يلحق بك مكروه.


لن يحبك أحد في العالم كحب أمك لك


 تأكد أنه لن يحبك أحد مثلما أحبتك والدتك، هي التي تضحي بكل غال و نفيس من أجلك فقط، بصحتها التي في هاوية يوما بعد يوم، تفقد صلابة جسمها و نشاط روحها، و ضياع عمرها، من أجل أن تكتسب أنت  جسما أقوى، و تتسم بصحة و عافية، و تمتلك حماسا روحيا يجعلك تمارس أنشطتك اليومية، و الأهم أن عمر أمك ينهمر شيئا فشيئا، لتكتسبه أنت، الأم تحبك لدرجه أن تبكي لبكائك، تحزن لحزنك، تسعد لفرحك، تتقاسم معك مشاكلك، و مستعدة لبيع كل ما أمامها و ورائها لحل مشاكلك و تنفيذ طلباتك، فإذا لم تكن الجنة تحت قدميها، تحت من ستكون؟.

هل يمكننا أن نعوضها على كل ما قدمته من أجلنا، أمي منذ أن أنجبتني حتى أصبحت إنساناً متكاملا جسمانيا كانت دائما تسهر على الإعتناء بي و تحرص على تغذيتي فكريا و ثقافيا، وكل أمهات العالم لا شك أنهن سهروا وتعبوا من أجل أبنائهن وبناتهن.


سهرت أمي ليال وعلمتني الكثير


 كم سهرت من ليالي معي تطمحين أن آخذ مستوى لأحقق أهدافي و طموحاتي، لأنك يا جميلتي غرست في كل ما هو خير، علمتني أن أمتلك كرامة أن أساعد، أن أزرع الخير في نفوس الآخرين بدورهم، أن لا آكل مال اليتيم ولا الفقير بل العكس أن أقدم لهم يد العون وأساعدهم، حتى بتلك الإبتسامة أو الكلمة الطيبة قد أكون خففت ألمهم، علمتيني يا معلمتي و يا منجبتي و يا صديقتي و عائلتي كل ما هو جميل، و يستحيل أن يكون مثل جمال روحك، و صفاء قلبك و طهارة روحك، مهما سعيت لتعويضك، لن يكون كافيا بتاتا، لأنه يستحيل هذا الأمر.

كما أنت قدمت المستحيل، يصعب و يستحيل على كل إبن و إبنة تعويض ألمك و حبك و تضحيتك الكبيرة في حقي، أذكر دائما أنك كنت تأخذي من نفسك لتعطيني أنا من جميع النواحي بلا شك طبعا، شكلت أنت و أبي لوحة فنية مميزة في ناظري، كنت أنت المرشدة تلك الحنونة التي رغم قساوتك أحيانا إلا أنني أعلم جيدا ما تخفيه وراء كل تعبير لك حفضت جيدا ملامحك، صرت أعرفك أكثر من سني و هذا في سن مبكر جدا، و هذا طبيعي فأنا كبرت على يديك، و أنت كنت لي كل مرة كتابا مفتوحا يسهل علي قرائته، أنت قدمت لآخذ أنا، بعد كل هذا أ يعقل أن أرجع و أعوض ما أعطيته لي، لكن أتمنى يوما أن تكوني راضية عني تمام الرضى، أعلم جيدا أني مهما فعلت دعواتك لي لا تتغير، حبك لا ينقص شيئا منه، خوفك علي يزداد كل ما كبرت، أتمنى و أسعى أن ألبي كل ما تمنته نفسك، و اشتهته خاطرك يوما من الأيام، لعلي أحس أنا الأخرى بطعم سعادتك التي حققتها لك، سأعد نفسي أني لن أخيب ضنك إطلاقا، نفس الوعد الذي وعدتني إياه عندما تمت ولادتي، حان وقت أن أسترد لك ولو القليل يا غاليتي، فأنت كنت سندا لي و أنا لن أتخلى عنك أبدا، كما أحببتني سأحبك، كما مسحت دموعي، سأمسح دموعك، آه كم رتبت على كتفي مهدئة من روعي، أنذاك يا أمي تشحن طاقتي السلبية، و تعوضها طاقة إيجابية، فقط بلمسة منك، و يا راحتاه أثناء وضع رأسي على رجليك و يا فرحتاه لما تمرري يداك الناعمتان بالنسبة لي على خصلات شعري، في تلك اللحضة بالذات أنسى تعب يومي، ففقدانك يعتبر ذلك الموت البطيء و ما أسوء ذاك الصنف من الموت، تحترق روحك رويضا رويضا، و حزنك يؤلم داخلي فأضطر للوقوف صامدة رغم ضعف نفسيتي لعلي أخفف من ألمك، أتمنى أن يدخلك ربي في فسيح جناته، و أدعوه ليلا صباحا أن يجعلك في الفردوس الأعلى، لك و لكل أم حاربت الحياة، و ناضلت من أجلك فقط، أعدك يا منجبتي و يا مرضعتي و يا مرشدتي أني سأحرص على أن أكون سندا تتإكين عليه مكان عصاة الكبر تلك، قبل أي إنكسار ستتعرضين له أو أي وقوع ستخضعين له سأرمي نفسي مكانك، في أي خطر كان دون تفكير و هاته ستكون غريزتي التي أصبحت فطرية بي، منذ أن أدركت أنك أنت أول حب و آخره في حياتي الأبدية، لن أبكي إلا على كتفك، و لن أروي أسراري إلا في أذنك، سأكون كل شيء في حياتك، و ستكوني أنت كل شيء في حياتي يا أماه، إعلمي أن بعدك يعتبر الشوق بحد ذاته، تأكدي أن المكروه لن يعرف طريقه إليك بتاتا بحضوري، سأكون لك بلسما، و نسيما هادئا حين أراك سعيدة، و عاصفة ثائرة حين أراك متألمة، خلاصة رضاك يا أمي رضاك، مهما عبرت و كتبت سيبقى ناقصا أمام معروفك.

الآن تعال معي نتعرف، على معاناة أم بسبب أبناءها، ستكون الحياة هائجة عليها، كيف؟ و لماذا؟ ستتلقى الإجابة على كل هذه الأسئلة في هذه القصة التي ستكون للعبرة لا للفرجة.


قصة أم عاشت حياة الجحيم بسبب أبنائها


هي أسرة كباقي الأسر العادية، هي أسرة مكونة من أربعة أفراد من أب و هو  رب الأسرة طبعا، و أم كباقي الأمهات التي تقوم بواجباتها الزوجية من ترتيب البيت وتربية أبنائها، و إبن بكر عمره ما يقارب العشر سنوات، و إبنة صغرى تلك المدللة التي يقارب سنها ست سنوات، أسرة متكاملة جدا أب أربعيني العمر عامل بناء في إحدى الإنشاءات الكبرى، و أم تلك ربة البيت التي تقوم بدورها كزوجة، تلبي حاجيات و متطلبات أبناءها كأي أم تحبهم، تخاف عليهم، ترشدهم و تنصحهم، تهيئهم لمستقبل مزهر مفعم بالنجاح، و أب حامي لهم و لأسرته، أب واعي و مسؤول، يتحمل مسؤولية كل فرد من عائلته الصغيرة، يحمل نفسه أي مشكل يقع معهم، هي أسرة ليست بغنية ولا فقيرة، لوحة فنية من أربعة أفراد من الطبقة المتوسطة، أب نعم غير مقصر في احتياجات أسرته، لكنه في نفس الوقت مقتصد لأبعد الحدود، يلبي لزوجته و أطفاله حق المأكل و الملبس، و حق تدريس أبنائه كباقي الأطفال، راض و قانع بكل ما أعطاه الله من نعم، هي أسرة يملئها ذاك الحب الأسري و الدفئ المتنقل بينهم من كل واحد للآخر، رغم بعض الخلافات و النقاشات العادية كباقي العائلات و الأسر، إلا أن هذا لم يؤثر قط على ترابطهم، و في يوم من الأيام، يوم ليس كباقي الأيام، يوم سيشهد على حزن تلك الأسرة أو بالأحرى على تلك الأم الضحية الكبرى، يوم لن أقول عنه مشؤوم، لأن أي كارثة تقع إلا و هي مقدرة و مكتوبة في قدر و كتاب كل شخص،  ذلك اليوم هو يوم موت رب الأسرة ذاك أثناء القيام بعمله في الإنشاءات، و بسبب خطأ بسيط أو ربما بسبب إهمال مدير المبنى بحيث تم كبس إصبعه على إحدى الأجهزة ليندلع إنفجار من حيث لم يحتسب، إهتزت الأرواح جميعا المتواجدة في ذلك المبنى، و ما هو إلا القدر يلعب لعبته المعتادة، بقيت أرواح على قيد الحياة، و أخذت أرواح أخرى إلى دار البقاء، كان يوم موت أبيهم، ذاك العمود القوي الصامد الذي لا يهزه ريح، جاء يومه و تهدم من مكانه، قدر الله و ما شاء فعل، أراد الله سبحانه أخذ روحه، و تألمت عائلته، و يتم أطفاله، و هذا ما هو إلا اختبار، الدنيا كلها اختبارات، الدنيا دنيئة بدنائتها، و الدار الآخرة هي الأصل و هي من ستحدد مسار كل شخص على حدة، و ما الحياة إلا كذبة جميلة، و الموت حقيقة مؤلمة، كل شخص و ما بشر و كل كائن مغادر و راحل و عابر، بل حتى الحيونات و كل كائن حي، سنفى إلى دار الخلد و هي الآخرة، كلنا راحلون إلى قبورنا و لن نأخذ معنا إلا الأعمال، أما الأملاك و الثروات، المال و الجاه ما هو إلا كذبة أيضا، أو بالأحرى هو أسلوب يختبر به الشخص، الآن، ماذا سيقع لتلك  المرأة، لأولئك الأطفال؟ الحزن و الألم هو سيد الموقف، و شفقة الناس و الجيران لا تنتهي، عبارات تؤلم تلك المرأة ، " المسكينة توفي زوجها"، " يا لا الهول أصبحت المرأة أرملة بلا رجل كم هذا مؤسف"، " يا إلاهي فقط البارحة ما صدفت المرحوم رحمه الله، ذهب و ترك وراءه أسرة"، بحق الجحيم لماذا هذه المرأة تعاني و تقاسي؟ تحاول التأقلم مع مشيئة الله، تحاول أن تقف صامدة لا عاجزا من أجل أطفالها، لكن بعض الأشخاص لعنهم الله، لا يسمحون بهذا، يتدخلون في شؤون الآخرين دائما، هذا الصنف خصيصا أمقته و أكرهه، ألا يعلمون أن الرسول صلى عليه وسلم قال: ( من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)، و الكلمة الطيبة صدقة، حتى إذا لم تساعد ماديا سأعد معنويا، لطفك يا الله أصبحت لا أدرك في أي زمن نحن أ زمن التحضر و التقدم أم زمن الجهل بحيث يجهل البشر أسلوب التعامل، و يفتقر للغة الأدب و الحوار، لكن لا ننسى وجود العادل ملك الملك و الملكوت، هو وحده من يعلم ما في القلوب، و وحده من يكشف عن نوايا الناس، يكتفي الإنسان بالتوكل على الله وحده لا شريك له، أما بالنسبة لتلك الأم ليس بيدها حيلة غير أن تدعهم لخالقهم، همها الوحيد أنذاك أن تعالج جراح إبنها البكر و ٱبنتها الصغيرة، راجية أن تنسى و ينسوا مع مرور الزمن موت أبيهم، يقال أن الوقت هو أكبر دواء للنسيان، لكن هل نسيت تلك الأم تماما، أم بقي ذاك الألم محفروا في داخلها، طوال مدة خمسة عشر سنة.


بعد مرور خمسة عشرة سنة من الحادث


نعم مرت خمسة عشر سنة، قررت تلك المرأة الأرملة بعد موت زوجها، ألا تجعل من ذاك الحزن عائقا لها، و طبعا لأن عاطفة الأم دائما تغلب كله من أجل فلذة كبدها تلك، من أجل طفلها و طفلتها، قررت أن تشتغل و تلبي كل ما يحتاجه أبنائها، قالت لهم ممسكة بأيديهم، ماسحة لدموعهم، متقاسمة معهم احتراق روحهم، مواعدة لهم أن فقدان أبيهم لن يغير شيئا، كل شيء سيكون على ما يرام ستوفر لهم جميع رغباتهم، ستخطوا معهم خطوة بخطوة حتى يصلوا إلى طريق الإمتياز و النجاح، قالت جملة مؤلمة حقا، " إرموا كل تعبكم و إرهاقهم على كتفاي، و لا تهتموا أبدا"، عملت تلك الغالية المضحية كمنظفة منازل، بحكم أنها لم يكن لديها أي مستوى دراسي، فاضطرت للعمل في تلك الخدمة، و ليس من العيب بتاتا، لأرفع القبعة لكل عاملات العالم بأكمله ولكل عاملة نظافة خصوصا، لكل امرأة طاهرة و عاملة بجد، تحياتي لك سيدتي، فحبك و حنانك و رغبتك في تحقيق رغبات شخص أو بالأحرى طفل يسري دمه في عروقك، طفل و طفلة جزء منهما متواجد فيك، مرت خمسة عشر سنة من التعب و العذاب، و تحمل المسؤوليات، بالفعل نجح كل من أبناءها، و هذا لا ينكر معروفك بلا شك إنه معروف أمهم، لولاها لا تشردوا، و تسولوا في الشوارع لا قدر الله، لكن وجدوا أمامهم أما لم تستسلم أمام قدرها، و رضيت بقضاء ربها، و عاشت من أجل نور عيناها، أبناءها هؤلاء، الذين بعد مرور خمسة عشر سنة  نجد ذاك الإبن الأكبر الذي بلغ من العمر الخمس و العشرين سنة، و تلك الإبنة التي تجاوزت ما يقارب الثلاث و العشرين سنة، بعد مرور كل تلك السنوات و الشهور و الأيام التي مرت على تلك الغالية حياة مرة، مقابل سعادتهم، طول هاته السنوات، لم تكسر بخاطرهم، و كانت تحقق كل طلب وضعوه أمامها، كل هذا بهدف عدم إحساسهم بنقص ما أو بحرمان حب والدهم الميت، رحم الله كل ميت مات مؤمنا يالله،  و مع مرور الزمن، كبرت تلك المسكينة و عوضت بعض الخصيلات السوداء تلك ببيضاء اللون، إنحنت كتفيها و كتعبير مجازي كسر ظهرها بشقاء العمل كل تلك السنوات، و ليس من السهل إطلاقا، ظهرت بعض التجاعيد حتى في يديها النحيلتين، التي شهدت على كل ما نظفته في كل مكان و كل بيت، لكن رغم ذلك ما زادها إلا جمالا، و لن يراهم جميلتين إلا من قدر تمام التقدير مجهوداتها.


الصواعق لا تضرب إلا القمم


 أصيبت ألأم بألم المفاصل مما جعل الدكتور محذرا لها بالراحة التامة، و عدم الإشتغال و العمل تانية، و بدورها هي قررت ترك العمل مرتاحة من طرف إبنها الذي أصبح يعمل مهندسا معماريا، و ابنتها التي أصبحت مدرسة اللغة الفرنسية، لكنها تحس بالوحدة التامة و الحزن الشديد لفقدان زوجها،  لأنها تقاسمت معه كل شيء، و كان دائما ما يساندها، و لا يكسر بخاطرها.

 مر وقت لا بأس به ما يقارب سنتين تزوجت ٱبنتها رجل أعمال غني و ميسور الحال، لكنها أخطأت خطأ عمرها، هي أنها نسيت أمها و مجهوداتها التي قدمت من أجلها، و لم تسعى حتى لتعويض خسارتها، بل من حقارتها أنها أرغمت أمها على بيع ذهبها من أجل إقامة عرس فخم، يعتز به أهل العريس، كانت من النوع الذي يحب المظاهر و لا تهتم إلا للنقوذ و الثراء، لم يخطر ببالها قط أنها في هذا المستوى بسبب أمها، أ لم تقدر قيمة مرضها حتى، التي هي كانت هي السبب فيه، فأمها انهارت جسمانيا من أجلها، لكن تلك الأنثى الملعونة لم تكن تعتز بعمل والدتها، كانت تنظر دائما للقمم، نسيت أن الصواعق لا تضرب إلا القمم، ذهبت إلى عش الزوجية تاركة ورائها تلك الوردة الذابلة، غير مدركة لجرحها العميق قائلة مع نفسها، "أنا طيب بخاطر أولادي فمن يطيب بخاطري، أ هذه نتيجة أفعالي و ضياع عمري و صحتي مترجية الأفضل لأبنائي"، لكن قلب الأم ليس له مثيل، كانت دائما ما تدعو بالخير معها راجية لها الأفضل و الأحسن، أما بالنسبة لابنها، فقد تزوج هو الآخر بعد عرس أخته بستة أشهر تقريبا، كان هو الآخر لا يبالي كثيرا بمتطلبات والدته، غير مدرك لقساوة ما مر عليها، كان يركز فقط على عمله الذي لولا أمه تلك الحنونة لما وصل إلى نجاح كهذا، لكن ما بوسعها إلا إلتزام الصمت، كأنها فقدت الرغبة في الحياة التي لم ترحمها، ظنت أنهم سيعوضونها، لكن خاب ضنها، يا الهول!! أشبعتهم حنانا و حبا، في صغرهم و حتى في كبرهم، لكنهم لعنهم الله لم يهتموا بتاتا ولم يقدروا مجهودها، هؤلاء هم الخائنون الحقيقيون، خيانة الأم، من أعظم الخيانات التي إن لم تغفرها لك في الغالب ليس لك مكانا في الجنة لا قدر الله، و بعد مرور بضعة أيام بدأت زوجة إبنها بتحريضه و أتقنت الحقيرة دور المظلومة رامية على أمه كل ما هو باطل، و هدفها هو إخلاء البيت لها و لزوجها فقط طاردة إياها، و وقع ما لم يكن في الحسبان، طردها المسكينة خارجا، و ٱبتسمت تلك اللعينة بخبث ظانة أنها انتصرت، نسيت أنها أمام الله هي أكبر خاسرة، خرجت الأم لامة دموعها و ماشية ببطء نظرا لتألم أطرافها، قصدت منزل بنتها الكبير راجية فيها الحنان، و كانت خيبة أملها لما ردت عليها قائلة: " لا أريد مشاكلا مع زوجي أرجو أن تبحثي عن مكان آخر"، و أغلقت في وجهها ذاك الباب بقوة ليتردد صداه، و ليتألم قلبها، ولو كان يبكي القلب دما لبكته تلك الأم التي لم يرحمها أبنائها.


موت الأم


 حل الظلام، و تلك الأم المظلومة بمعنى الكلمة، حست بالعياء و قدماها لم تعد تستطيع التحمل، جلست في عتبة درج ما، و ظلت تفكر في هاته الحلقة الجحيمة التي عاشتها،  لم تجد خيرا في أحد، كانت متيقنة أنهم سيعوضونها في كل المعاناة التي عانتها من أجلهم، أتتها الصدمة أقوى و أقوى أكملت على ما بها، و كسرت ظنها، و فقدت قواها، نهضت لتتمشى ثانية، إلى أين؟ لا تعلم، ليس لديها أحد و متأكدة أنها لن يرغب بها أحد، لكن للقدر حكمة أخرى، فأثناء عبورها الطريق، صدمتها شاحنة كبيرة، أدت بها إلى الموت، كان أبشع حادث سير يمكنك أن تراه على الإطلاق، طلعت الروح إلى السماء و جاءت فرصتها لعدم إقبالها على العذاب أكثر، و هي مشيئة الله أرادها رب العزة و الجبروت ألا يتم تعذيبها أكثر من ذلك، و لحقت هي الأخرى زوجها إلى دار البقاء، لكن الله يمهل و لا يهمل، أ ظننتم أن الله لن يجازي أبناءها، عاشت إبنتها الخائنة ظروفا صعبة بعد زواجها، لينتهي بها المطاف إلى طلاقها بوجود ابنة، و كم بحثث هي الأخرى عن أمها، متأملة أن تبكي على كتفها، ندمت أشد الندم، و لم تتخطى الدموع عيناها، و مازالت تصارع عذابا من نوع آخر، و أخذ منها زوجها إبنته منها، و هي محروقة الروح، لا مال و لا عمل و الأهم لا أم، أما بالنسبة لابنها الآخر، فقد استولت زوجته على جميع أملاكه  بعد فصله من العمل، ثم أكرمته بالطلاق، و أصبح هو الآخر متشردا وينام في شوارع المدينة، و أصيب بمرض سرطان الجلد، و بسبب تشرده لم يخضع للعلاج ليموت هو كذلك.

و هكذا نكون قد أنهينا قصة اليوم، الإبن و الإبنة ناكران للمعروف الذي لم يتم تعويضه للأسف أو حتى محاولة ذالك، خيانة الأم من أحقر الخيانات على الاطلاق، هذا حال نعيشه في مجتمعنا وسمعنا عن كثير من القصص من مثل هذه القصة، كل يوم نسمع مثل هذه القصة القاسية و الوحشية.


رسالة لكل أم


رسالتي لكل أم، لا تحزني و توكلي على الله الحي الذي لا يموت، إفعلي و ابذلي مجهود، ولو أنك لم تنالي ما تستحقينه حقا، أجرك عند ربك، و الله لن يجدوا مثل حب أمهم، تيقني أنك أنت الأصل في حياتهم و الباقي تقليد.

و رسالتي لك أيضا أيها الإبن أو الإبنة، كن على يقين حب الأم لا يعوض بتاتا، أحسن لأمك عاملها كملكة في عرشك، حافظ عليها كجوهرة ثمينة، لا تقدر بثمن، خف أن يصبها مكروه، هي من حملتك تسع أشعر، و إذا يوما بكت بسببك، فهذا يعني أن تلك الدموع، كلؤلئات سقطن منك، ستدفع ثمنهن غاليا، كن سندا لها كما كانت سندا لك، تمسك بها، و لا تخطأ في حقها أبدا، إذا ضاعت الأم ضاعت حياتك، هي ملجأك الوحيد، لا تحزنها و لا تكسر بخاطرها، فقد أوصى الله عز و جل بالوالدين عندما قال: "و لا تقل لهما أف و لا تنهرهما و قل لهما قولا كريما"، و قال صلى الله عليه و سلم: "أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك"، و هنا عليه الصلاة و السلام اوصى على الأم ثلاث، لمعرفة جوهرها وأهميتها في حياتنا.

خلاصة أتمنى من خالص نيتي أن تأخذ العبرة، و أن تستفيد مما كتبته، الأم سيبقى حبها منذ الأزل و إلى الأبد.

ملحوظة: رحم الله كل أم أخذتها الموت منكم، و أطال الله عمر كل أم و غالية أنجبتكم. 

 من كتابة : شيماء مناج.

آخر تحديث

أحدث أقدم